انا كبرت وبقى عندي تلاتين سنة... مما يؤكد ان الزهايمر والشيخوخة على وشك الطرق على الابواب...فعليه....وعشان الاقي حاجة تشغلني احكيها للعيال الي بتلعب في الشارع زي كل العواجيز ما بيعملوا..قررت اكتب ذكريات الثورة....هكتبها عشان ما انساش وعشان ما تختلطش عليا الذكريات...مر سنتين بالفعل واكيد في حاجات كتير هتقع مني...فرق كبير بين الذكريات الطازه والذكريات البايتة بعد سنتين...بس هكتبها ان شاالله اكون فاكره منها مشهدين بس.....
سبب تاني مخليني عايزه اكتب النهاردة....اني اول مرة من ساعة الثورة احس باحساس ايام مبارك تاني...ذكريات العبارة رجعت تاني مع حادث الأوتوبيس اللعين....الاوتوبيس الي حصد أرواح 47 طفل وفي 17 منتظرين الموت في مستشفيات مهترأة...
انا مش عايزه ارجع لورا قوي.... مش هبدأ من ايام خالد سعيد هخلي دول في وقت تاني....هكتب من بداية الإستعداد لثورة يناير...
بعد نجاح ثورة تونس وهروب بن علي ووجود 40 الف واحد في شارع بورقيبة في العاصمة التونسية...مباشرة انطلقت الدعوات على الصفحات المختلفة (6 ابريل) و(كلنا خالد سعيد) تطالب بان يوم 25 يناير (عيد الشرطة السابق) يبقى يوم غضب ولعنة على النظام
كان الشعار "التوانسة عملوها في 14 يناير ومصر هتعملها في 25" الدعوة بدأت على استحياء وفجأة انتشرت زي الدخان...حالة من الحماسة المشوبة بالحذر انتابت الكل..مؤكد ان الحكومة المصرية بتبص بقلق على الي بيحصل في تونس.... والدعوة برضه واصلالهم يعني مش هتغيب عنهم دول قاعدين لنا ليل ونهار....
بدأت الصفحات تدعو وتحشد لليوم...وكعادة الأفكار الغير تنظيمية بتنتشر افقيا بسرعة....بدأ الكل يكلم بعضه عن يوم خمسة وعشرين..والأفكار تتطاير...هتنزل؟ مش هتنزل! كل واحد يكتب نوت يحدد فيه موقفه ما بين نازل ومش نازل....مؤيد ومش مؤيد...تصاعدت دعوات تستهين باليوم...وانتشر البوست الشهير خلصوا ثورتكو وبعدين اتكلوا على الله خدوا القهوة في سيلانترو...بس اوعوا تتأخروا... انتشرت تدوينة لو في مدرسة اجنبية وبتتفرج على جريز اناتومي إي أر ما تنزلش
المهم ان كان في مشاعر كتير قوي متضاربة...من الناس الي كانت بتتريق علينا صديقي شمعي اسعد...واذكر انه كتب بوست حراق قوي عن الناس الفرافير الي عايزين ينزلوا يعملوا ثورة بمعاد وان مفيش حاجة اسمها ثورة بمعاد... وقتها قابلت تامر عبدالوهاب في المقطم وصورنا 1000 ورقة تدعو للثورة وخدتهم منه في عربيتي ونزلنا رميناهم في الشارع..... كان في حالة من الترقب والتحفز لا نهائية.... اهلي في البيت ما كانوش عارفين حاجة عن نشاطي بس كانوا حاسين بالترقب الي احنا فيه.... كنت بفرجهم على فيديوهات عمر عفيفي الي بيتكلم فيه عن كفاح المناطق الشعبية ويعملوا ايه في التطويق وخطط الامن المركزي وخلافه..عشان احسسهم بالجو.... في سهرة منزلية لطيفة اخويا اتفرج على فيديو عمر عفيفي الي كان بيتكلم فيه عن ال100 مسجد الي هتنطلق منهم المظاهرات والتحركات الفردية وتطويقات التشكليات للأمن المركزي....لقيته انتفض وتحمس وقالي شكلها هتبقى ثورة بجد.... انا سكت عشان ما اشككوش اني نازله...
نوارة كتبت تدوينة عمرها
هنا وقتها كنا كلنا مشككين....محدش متأكد من حاجة.... بس في حاجة واحدة في نفوس الكل.... انا هنزل ان شاء الله اكون الوحيد الي في الشارع.... انا مش هكون جبان من هنا ورايح....الإحساس ده كان عند الكل...الكل كان مشكك في الناس ومتخيل ان محدش هينزل.... كل واحد كان بيقول لروحه شكلها مفيش غيري....بس حتى لو مفيش غيري انا هنزل برضه...
يوم 23 يناير...عملنا اجتماع مصغر لمجموعة من النشطاء في دار الضيافة بجامعة عين شمس....كنا انا واميرة هريدي (علميين) وتامر عبدالوهاب وماجد حسين ومحمود عفيفي والأستاذ إبراهيم (محاميين) وحسام محفوظ (صحفي في روزاليوسف) وخلود الطنبولي (جت سريعا ومشيت مهندسة ديكور) و هشام الجنيدي (طبيب اسنان) واحمد مدحت (طالب ازهري) و حسام سويلم (مدرس فلسفة) ووائل مصطفى (مهندس اجهزة طبية) المجموعة اجتمعت وقررنا نحط خطط التحرك...اتفقنا على اننا هنتقابل عند مسجد الحامدية الشاذلية في المهندسين بما ان المظاهرة الأولى هتكون في مسجد مصطفى محمود يوم التلات...قررنا اننا نكون في المناطق الشعبية في ضواحي المهندسين عشان نفرغ الضغط عن قلب المهندسين وفي نفس الوقت نكون قريبين من المظاهرة الام عشان لو حصل اي حاجة نقدر نضم عليهم ونخلق زحام يخلي التعسف ضدهم صعب.... اتفقنا على ان النقطة الف هتكون من عند المسجد عند اول شارع النيل....ولو فشلنا في التجمع نروح النقطة ب عند مسرح البالون عشان نكون قريبين من مظاهرات امبابة....روحت بالليل ودخلت اونلاين لقيت ميل من مصطفى الحسيني لمجموعة أبناء مصر بيقولنا فيه انهم عايزين ينزلوا مبابة ويعملوا مظاهرة هناك...قلت لمصطفى احنا عاملين مجموعة وهنتحرك من الحامدية الشاذالية...اتفقنا على اننا هنضم مع بعض ونبقى مظاهرة واحدة
انا يوميها كنت بايتة عند واحدة صاحبتي ما كنتش في البيت وده سهل لي الخروج...يوم التلات الصبح...نزلت بدري من البيت ورحت مستشفى الدمرداش...سبت عربيتي هناك (عشان امان) وقابلت اميرة هريدي وخلود الطنبولي وسمر سمير الي جت من السويس مخصوص.... قابلنا كمان وائل ميجا الي جالنا على المستشفى هناك...ونسقنا بالتليفونات واتفقنا نتحرك على الجامع على طول....
قبل ما نطلع على المسجد رحت الصيدلية الي قدام المستشفى....وطلبت من الولد السني الملتحي الي واقف قطن وشاش وصبغة يود وضمادات وكنت جايبة معايا اقنعة من الشغل تحسبا للغاز..... الولد بص لي كده وقالي هو حضرتك في حد مصاب....قلت له لسة في حد هيتصاب....قالي هو حضرتك رايحة خناقة...بصت له وقلت له لأ انا رايحة مظاهرة ومتوقعين نتضرب.... لقيته اتبرجل وقال ربنا يوفقكوا....خلوا بالكو من نفسكو....خدت منه الحاجة وحشرتهم في شنطة ضهري ونزلت....
اتمشينا لحد اول كوبري اكتوبر وبعدين خدنا تاكس وطلعنا على المسجد....في المسجد دخلنا قسم السيدات....لقيت ناس لابسين اسود وقاعدين... استبشريت ان يكون في جنازه فيبقى في عدد في الجامع فالمخبرين الي بره ما يعرفوش يميزوا بين زوار الجنازة والمظاهرة...طبعا غني عن الذكر ان الجامع كان مترشق مخبرين وكانوا حولين المسجد من كل ناحية وعربيات الامن المركزي في كل حتة...اسراء عبدالفتاح واسماء محفوظ كانا في عربية حمرا بره الجامع مستنيين ساعة الصفر الي كانت متحددة الساعة 2
دخلنا الجامع وسألت واحدة ست لابسة اسود هو في النهاردة جنازه؟؟ قالت لي اه... من هبلي قلت لها الحمدلله وانا بتنهد بإرتياح...مخدتش بالي اني بجرحها غير لما بصت لي بقرف كإني فرحانه في مصيبتها.... واحنا بنصلي واحدة من البنات الي جايين الجامع تليفونها رن بنغمة شد القلوع يا برادعي مفيش رجوع يا برادعي.... وكنا في وسط الصلاة والتليفون في الشنطة....خلصنا صلاة وقعدنا نضحك بصوت واطي قلنالها يخرب بيتك هيتقبض علينا قبل ما نهتف....
في صف الرجالة كان المخبرين بيصلوا جنب النشطاء....خلصنا صلاة وقابلت محمود فتحي وبسنت اخته كانوا راكنين عربيتهم عند الجامع برضه...اتحركنا مع بعض واتجهنا ناحية شارع وادي النيل.... عدينا النفق...ووصلنا لمنطقة شعبية....هناك قابلنا الحسيني ومجموعته...كنا حوالي خمسين واحد متفرقين كده....وفجأة في وسط الناس...راح الحسيني عند الجزيرة وراح هاتف بصوت عالي...يسقط يسقط حسني مبارك
كان اول هتاف يتقال يسقط يسقط حسني مبارك.....لا كان في لسة اسقاط النظام ولا غيره....بسرعة لمينا عليه كلنا ورددنا وراه....الشارع اتبرجل...اتخض!! الناس عالقهاوي بقت مش فاهمة حاجة....النهاردة التلات....وفجأة واحد في الشارع يقول يسقط يسقط حسني مبارك...الناس خرجت من المحلات تتفرج وهي متنحة....عملنا شبه مظاهرة صغيرة....وفجأة لقينا الناس بتضم علينا...فضلنا نتحرك في الشارع الرئيسي ونخش من شارع لشارع..
الشوارع كلها حارات ضيقة..... كل همنا نفضل في الحواري عشان الأمن المركزي ميعرفش يطوقنا...كان ورانا مخبرين ماشيين ورانا.... بس معرفوش يعملوا حاجة عشان سرعتنا اسرع من عربيات الامن المركزي... وائل مصطفى يوميها ما جاش معانا....وائل راح شبرا وهناك جالنا خبر انه اتقبض عليه واتضرب في اول عشر دقائق....الأمن هناك كان مترصد عشان دي منطقة شعبية...اعتقد ان ناهيا كانت حتة جديدة ما خطرتش على بالهم فما اهتموش قوي بتأمينها
فضلنا ماشيين....واحنا ماشيين دخلت معانا الدكتورة هالة فخري..... كانت لابسة احمر وبتهتف بحماس....الهتافات كانت متقسمة ما بيني وما بين دعاء واميرة ومصطفى الحسيني وايهاب عبدالحميد ومحمود فتحي....إيهاب عبدالحميد ونسمة مراته انضموا معانا واحنا ماشيين ..شافوا المسيرة دخلوا فيها....المظاهرة الي بدأت بخمسين فجأة بقى فيها 3000... تدافع الناس وانضمامهم كان مخيف في جماله.... ولد من بتوع العيش كان راكب عجلة...سلم العيش لواحدة ست واتحرك معانا....تامر خلاه في اول المسيرة بقى يبعته قبلنا يشوف الشوارع مفتوحة ولا مقفولة في امن في اخرها ولا لأ....إياد حروفش برضه انضم معانا في المظاهرة....وكان في المؤخرة... من المشاهد الي عمري ما هنساها...الست الي كانت في البلكونة سمعت صوتنا تحت بيتها نزلت بالشبش وحطت شال على كتفها من غير ما تاخد معاها حتى فلوس....فضلت تمشي وسطينا وتعيط وتهتف لما صوتنا يتعب....الست بتاعة الفرشة الي في الشارع الي عدينا جنبها وبالصدفة كنا بنهتف حسني بيه يا حسني بيه كيلو اللحمة بميت جنيه.... كيلو القوطة بعشر جنيه ومتر مدينتي بنص جنيه.... رمت الفرشة وقالت يلعن ابوهم ولاد كلب...انا معاكو يا ولاد....
اطفال الشوارع كان ليهم اداء ملحمي....الاول كانوا بيتخانقوا معانا على الأعلام الصغيرة...ادناهم اعلام...وجم يمشوا يضحكوا ويهرجوا وهما حافيين.....قلنالهم احنا عاملين المظاهرة دي عشانكو عشان ما تبقوش حافيين تتاني....بقم بيهتفوا اكتر مننا....وكانوا قوة دفع رهيبة وسطنا....كان معانا حبة من التراس الزمالك.... بس عددهم مما كانش كبير...فضلنا نلف في الشوراع ست ساعات متواصلة... ما اظنش ان حد فينا تعب او وقف ياكل لقمة او يشرب بق مية...... فضلنا ماشيين من شارع لشارع ومن حارة لحارة ووجنبنا عساكر الأمن المركزي....لما لقوا ان احنا كل الي بنعلمه بنهتف ونمشي بقت اللواءات ماشية ورانا بس من غير ما تضرب... بصراحة انا استغربت....لدرجة اني بهزار قربت من لوا وقلت له باشا يا باشا هو انتو مستنيين ايه؟؟؟ هتضربونا امتى عشان نستعد؟؟
الراجل ضحك وقال انتو عايزنا نضربكو؟ قلت له لأ بس يعني هي عادة ولا هتشتروها... :)
الراجل ضحك وقالي اتكلي على الله وشوفي شغلك....كنا بنكلم العساكر ونقوله يا عسكري يا غلبان شوف والنبي بتقبض كام...ونهتف فيهم لو جالك امر تضرب اوعى تضرب اخواتك..... احنا اخواتك وبنعمل كده عشانك... العساكر كانت بصراحة مش فاهمة حاجة وخايفين.... هما حسوا بالغضب ناحيتنا ان يوم اجازتهم بدل ما يرتاحوا مرمطناهم في الشوارع طول النهار..... على الساعة 6 كده قرب المغرب كان صوتي راح من الهتافات...واحد من الظباط قالي يا بنتي انا بلف وراكي من الضهر...انت هتروحي امتى؟ قلت له لو حضرتك عايز تروح اتكل على الله احنا مكملين هنا..... كنا مغترين وفرحانين بالعدد ومش عايزين الممظاهرة تقف....
فضلنا نخرم لحد ما وصلنا العجوزه كانت جاتلنا اخبار التحرير...مصطفى عبدالعزيز كلمني من الميدان وقالي انا هناك والدنيا هنا تجنن لازم تيجو....حبينا نخترق بالمظاهرة الميدان معرفناش الأمن هنا غبى..قفل مطلع كوبري اكتوبر الي في شارع العجوزه.... وقفل مدخل كوبري قصر النيل الي في الناحية التانية من عند ميدان فيني.... ساعتها كنا اتحاصرنا....مصطفى الحسيني وشوية نشطاء حبوا يكسروا الكردون اتضربوا بالشوم ..... حاولنا نخترق شوية بس كانوا متمترسين جدا....العربيات كانت مخنوقة عشان قفلنالهم الشارع....بقيت امشي في وسط الشوارع واقول للعربيات الي مانعك تطلع هو الامن مش انا....عبر عن غضبك بالكلالكس....عملنا مظاهرة بكلاكسات العربيات وقتها....اغلب الناس كانت متضامنة...بس افتكر ان في عربية ملاكي قالت لي انتو حمير...انتو شوية حمير...قلت له تسلم يا امير كتر خيرك....بس وجه غضبك صح...الي واقف في وشك ومخليك مش عارف تروح هو عسكري الامن المركزي مش انا..... ساعتها كانت الناس كلها الي معانا تعبت...قدرنا ان محدش فيهم هيقدر يكمل هما مش نشطاء هما مواطنين عاديين....قلنا للناس احنا هنتجه للتحرير فرداني مدام مش عارفين ندخل في تجمعات.... الي عايز يكمل معانا مكان التجمع هو التحرير واحنا بايتين هناك....والي مش عايز يروح النهاردة ويستنى نشوف بكره هيحصل ايه....
هنا بقى كانت في مفاجأة....في ناس انضمت في فورة حماس بس هي مش عارفة تروح فين...الست الي جانبي قالت لي ووشها كله كسوف انا يا بنتي نزلت بالجلابية بتاعة البيت والشبشب انا حتى مش عارفة هروح ازاي ومعيش فلوس
النشطاء كانوا عاملين حسابهم ينزلوا بفلوس قليلة عشان لو اتقبض علينا ما يسرقوناش.... كنت مخبية ميت جنيه عشرينات في الشراب وفي هدومي بس مش في الجيوب...كان مشهد ساحر والمتظاهرين كل واحد بيطلع جنيهات من جيبه ويديها للأهالي عشان يعرفوا يروحوا بيوتهم..... حتى اطفال الشوارع اديناهم فلوس عشان ياكلوا ويروحوا
كملنا بعدها على الميدان.... ركبنا تاكس ونزلنا في رمسيس....كنا مفحوتين تعب....ما كلناش حاجة من الصبح وصوتنا رايح تماما....سواق التاكس كان منبهر مش فاهم حاجة وبيقول شكل البلد كده هيبقى فيها حاجة كبيرة....عملنا نفسنا مش عارفين حاجة وكملنا...نزلنا في وسط البلد من ضهرها...ومشينا لحد الميدان.....
الله عالميدان يوميها...... الله على جماله..... انا تقريبا قابلت كل الناس الي اعرفهم في حياتي في الميدان....زمايل من ايام الجامعة....زمايل من ايام المدرسة.....صحاب من الشغل.... قابلنا بقيت المظاهرة بتاعتنا هناك كانوا سبقوا.... بنات بعبايات...محجبات....بنات بشعرها...مصر كلها كانت في ميدان التحرير....كانت بداية المدينة الفاضلة.... قعدت عالرصيف انا واميرة نتدفى في بعض...واحنا قعدين عدى علينا واحد عمال يشاور بصباع ويقول الجدع جدع...,الجبان جبان....وانت يا جدع هتبات في الميدان..... خدتنا الحماسة وقعدنا نرددها لكل الناس احنا كمان....شوية ومر علينا واحد من مركز هشام مبارك (يمكن خالدعبدالحميد) وقالنا بنلم فلوس عشان الإعاشة....دفعت عشرين جنيه من الي معايا وخدت منه سندوتشين طعمية كلتهم وانا هاكل صوابعي وراهم من الجوع والبرد..... الجاكت بتاعي كان ضاع في المظاهرات.... فكنت بردانه جدا في الميدان قابلت معز مسعود وإبراهيم عيسى...الي كان واقف متنح وعلى وشه ابتسامة ملهاش مثيل..... الناس سألته هنعمل ايه يا استاذ ابراهيم؟ تفتكر وزير الداخلية هيطلع بيان؟؟ قالنا مش مهم الحكومة هتعمل ايه...المهم انتو هتعملوا ايه؟؟ انتو الفعل....خلوهم هما رد الفعل
علاء الأسواني كان في ركن تاني حوليه شوية نشطاء وعمال يخطب فيهم بحماس....حمدي قنديل كان بيتمشى..خالد النبوي...مصر كلها بكل اطيافها كانت في ميدا نالتحرير....
الميدان ماكانش فيه اي شبكة....كانت كل الشبكات مقطوعة عشان عاملين شبكة غلوةش عشان الناس ما تتواصلش مع المظاهرات الفرعية بره... ما كانش فيه غير سنترال واحد فاتح تليفونات ارضية....
انا كنت مقعدة منة أختي في البيت ومعاها الباسورد بتاعي تستناني عشان تكون حلقة الوصل عشان لو حصل لي حاجة تبلغ ماما وكنت كاتبة وصيتي على الجهاز وسايبهالها عشان تديهالهم لو مت....
احساس الإستشهاد وان موتنا زي حياتنا ما يفرقش كتير طالما اليوم نجح كان مخيم على الكل.... انا واميرة رحنا كبائن التليفونات نكلم اهلنا....كنا واقفين طابور طويل عريض....المضحك ان كل الي نزلوا اليوم ده مش قايلين لأهاليهم في البيت..تقف بره تسمع كم الكدب الي للركب بقى...ايوه يا بابا...ايه؟؟ بتقول ايه؟؟؟ مظاهرات في التحرير!! لا يا شيخ قول كلام غير ده....لا اصل انا تليفون مقفول عشان فصل شحن...لا انا مع ايمن بنذاكر وسهرانين...لا يا جدع مظاهرات ايه بس احنا برضه بتوع الكلام ده :)
كل الي داخل بيقول نفس الكلام....انا كلمت منة وطمنتها عليا وقلت لها ان مفيش تليفونات شغالة وتليفوناتنا هتفصل عشان طول اليوم فاتحينها..... وتطمن ماما وتقولها اني بخير ووما نزلتش المظاهرات وما تقلقش عليا....اميرة كدبت على اهلها وخرجنا...قابلنا احمد صلاح المعيد بكلية الهندسة جامعة القاهرة...كانت اول مرة ينزل مظاهرات....شافنا انا واميرة وقفنا شوية نتكلم....وبعدين قالي هو انت هتباتي؟؟ قلت له اه طبعا....بص لي باستغراب كده وبص على عبايتي وقالي واهلك هيسمحولك!! قلت له تفتكر ده موقف يحتاج اني استنى اذن اهلي....الخطب اجل يا بشمهندس...احنا في معركة حياة او موت....
سكت وما تكلمش....وقالي انا مشيت بنت خالتي.... ما خطرش على بالي ان الميدان مليان بنات رجالة.....لو كنت اعرف انك هتباتي كنت خليتها تبات معاكو.....
بصعوبة وصلت لمصطفى عبدالعزيز...وقعدنا شوية في الأرض نتباحث....السؤال الملح...طيب اليوم نجح...وبعدين...؟؟ محدش كان حاطط خطة للي بعد كده....كن منتظرين على غرار نموذج تونس خطاب... قلت لحسام محفوظ تفتكر الريس هيخطب؟؟ قالي ولا المحافظ هيعبرنا.... انت في مصر يا بنتي :) كل تصورنا كان في يوم 25 يناير....الي اتفقنا عليه اننا لازم نفضل موجودين....شباب الألتراس كانوا مولعين الميدان هتافات...دول عالم هتيفة من زمان ويعرفوا يهتفوا من غير ما يوقفوا....انا بصراحة كنت فيسطت وصوتي كان رايح مفيش حس اتكلم بيه اصلا... عبدالرحمن يوسف كان عامل زي قائد الكتيبة الحربية...عمال ينظم الناس على مداخل الميدان عشان يمنع المدرعات انها تعدي....انا خدت ايد اميرة وقعدنا نلف في الميدان كأننا طايرين على سحاب...لما عبدالرحمن يوسف نده وقال عايزين حد يحمي مدخل الميدان من شارع قصر النيل....عشان يمنع الدبابات تعدي جرينا جري وقعدنا في الصف الاول عالأرض...مصطفى عبدالعزيز قعد معانا....كانت اول مرة مصطفى ينزل مظاهرة ويبقى في وش الامن بالشكل ده....
بس في النهاية الكترة تغلب الشجاعة....الساعة 1 بالظبط سمعنا صوت الشؤم بتاع انذار الضرب والميدان اتهرى قنابل مسيلة للدموع...انا عندي حساسية من كل انواع الدخان....فجأة حسيت اني بموت..عيني محروقة وصدري مش عارف اتنفس ومناخيري سابت تماما...كل الخل الي حطيته على القناع ما كفاش عشان ما اشمش الغاز..... كانت مأساة....مسكت دراع مصطفى وبقم بيسحبوني...كنت سامعة صوت اميرة عمالة تصرخ بإسمي....مها....حبيبتي....خليكي معاايا...بقينا عاملين طابور...تامر في الاول وراه مصطفى واميرة ماسكة فيا وانا ماسكة دراع مصطفى ومش شايفة حاجة....دخلنا المترو.... طبعا كانت غلطة قاتلة عشان الدخان اتجمع تحت من فتحاا التهوية...مصطفى كان هيموت من الكحة....رجع وعينه احمرت.... شوية وشغلوا عربيات المترو...عشان نتحرك من المحطة مع ان المترو كان مقفول...ركبنا ونزلنا في اخر محطة....مش فاكره كانت فين...طلعنا انا ومصطفى واميرة وخدنا تاكس....واحنا فوق كوبر اكتوبر شفنا العيال وهي بتجري
فكرنا في اختيارين...ننزل نكمل جري وضرب مع العيال ولا نروح ونشوف هنعمل ايه!! مصطفى قال انا عايز انزل معاهم تاني... انا واميرة قلنا نروح... اميرة كانت نباتشية يوميها في المستشفى فاهلها مش مستنينها....بس كنا تعبانين جدا....صاحيين من 8 الصبح وطول اليوم جري ولف في الشوارع...قلت له يا مصطفى خلينا نروح عشان يبقى فينا طاقة نكمل بكره....اتفقنا في الاخر اننا نروح...رحنا الدمرداش عشان اجيب عربيتي....كان معانا صحفي من قناة مصر 25 (دي غير بتاعة الاخوان) اسمه إبراهيم....كنا نعرفه من ايام قافلة غزة 2010
المهم وصلنا الدمرداش انا ومصطفى واميرة وابراهيم وحالنا يصعب عالكافر....هدومنا معفرة من قعدة الأرض ولابسن مسكات متغرقة خل وعينينا حمرا وبنكح وصوتنا رايح...اول ما دخلنا المستشفى اتلم علينا الدكاترة والممرضات...لسة اميرة بتجيب لي المفاتيح من جوه الدولاب لقيت نقالة دخله المستشفى وعليها واحد مرمي...والناس بتقول لقيناه مرمي في الشارع...جريت عليه لقيته احمد مدحت (الطالب الازهري الي كنا بنخطط سوا لليوم) اتسرعت وقعدت انده عليه....ده مدحت...ده احمد مدحت....اميرة الحقي مدحت مغمى عليه....دكتورة مروة والدكتورة ريهام من الدمرداش جريوا عليه وخدوه في اوضة يفوقوه....طمنونا ان دي اغماءه عادية من الغاز وعلقوله محاليل.... مصطفى عبدالعزيز شاف منظره مغمى عليه قعد يعيط...قربت منه انده عليه...قعد يخطرف...صحابي....عايز ارجع انا سبت صحابي..... انا عايز ارجع...صحابي ... قعدت انده عليه ما عرفنيش....حاولت اقلعه الجزمة شد رجله وقعد يخطرف....لأ...عايز ارجع لصحابي....انا عايز ارجع .... اميرة طمنتني انها هتاخد بالها منه وروحي انت....اتطمنت عليه ومشيت.... ما كنتش اعرف ان الأمن بلغ عنه امن الدولة وبعتوله اتنين مخبرين لحد ما يجيبوله عربية بوكس تاني يوم تاخده...
خدت عربيتي انا ومصطفى وسقتها لحد ما وصلت مصطفى لعربيته الي مش فاكره كانت فين.... بس واحنا ماشيين دخلنا الزمالك لقينا كل الطرق مقفولة عشان الشباب فضلوا يلففوا الامن المركزي حولين نفسه في كل شوارع وسط البلد....لحد الساعة 4 الصبح...الحقيقة الدور البطولي للرجالة يوميها هد الأمن المركزي تماما واضعف طاقته...
وصلت البيت الساعة 4:30 دخلت عالنت اشوف صفحة كلنا خالد سعيد كاتبة ايه....لقيت صفحات ناشرة ان بكره هنعيد الكرة من تسعة الصبح..... كلمت اميرة لقيتها بتقول ان الامن حابسها عشان متهمينها انها كانت في المظاهرات وعايزين يقبضوا عليها... كلمت تامر عبدالوهاب قال انه راجع لها بس هي اصرت انها هتتصرف ومحدش يجيلها هي هتعرف تتصرف....
نمت بعد ما عرفت بموضوع مدحت...حسيت بالمصيبة....وائل اتقبض عليه واتضرب....مدحت مقبوض عليه.... انا صوتي رايح واميرة حتمال يتقبض عليها.... كانت ليلة عنيفة...بس نمت من غير ما احس ولا افكر....قلت لنفسي لو النهاردة فلتنا من الموت...بكره يوم تاني....
بكره اكملكو يوم 26 يناير